responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 594
الفصل الثاني عشر في العقل التجريبي وكيفية حدوثه [1]
إنّك تسمع في كتب الحكماء قولهم أنّ الإنسان هو مدنيّ الطبع، يذكرونه في إثبات النّبوّات وغيرها. والنسبة فيه إلى المدينة، وهي عندهم كناية عن الاجتماع البشريّ. ومعنى هذا القول، أنّه لا تمكّن حياة المنفرد من البشر، ولا يتمّ وجوده إلّا مع أبناء جنسه. وذلك لما هو عليه من العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبدا بطبعه. وتلك المعاونة لا بدّ فيها من المفاوضة أوّلا، ثمّ المشاركة وما بعدها. وربّما تفضي المعاملة عند اتّحاد الأعراض إلى المنازعة والمشاجرة فتنشأ المنافرة والمؤالفة، والصداقة والعداوة. ويؤول إلى الحرب والسّلم بين الأمم والقبائل. وليس ذلك على أيّ وجه اتّفق، كما بين الهمل من الحيوانات، بل للبشر بما جعل الله فيهم من انتظام الأفعال وترتيبها بالفكر، كما تقدّم. جعل منتظما فيهم، ويسرّهم لإيقاعه على وجوه سياسيّة وقوانين حكميّة، ينكبون فيها عن المفاسد إلى المصالح، وعن الحسن إلى القبيح، بعد أن يميّزوا القبائح والمفسدة، بما ينشأ عن الفعل من ذلك عن تجربة صحيحة، وعوائد معروفة بينهم: فيفارقون الهمل من الحيوان، وتظهر عليهم نتيجة الفكر في انتظام الأفعال وبعدها عن المفاسد.
هذه المعاني الّتي يحصل بها ذلك لا تبعد عن الحسّ كلّ البعد ولا يتعمّق فيها الناظر، بل كلّها تدرك بالتجربة وبها يستفاد، لأنّها معان جزئيّة تتعلّق بالمحسوسات وصدقها وكذبها، يظهر قريبا في الواقع، فيستفيد طالبها حصول العلم بها من ذلك. ويستفيد كلّ واحد من البشر القدر الّذي يسّر له منها مقتنصا له بالتّجربة بين الواقع في معاملة أبناء جنسه، حتّى يتعيّن له ما يجب

[1] نقل هذا الفصل أيضا عن الطبعة الباريسية.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 594
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست